عرجون الميت

من مآسي الناس في هذه البلاد أنهم يعيشون المآسي في حياتهم، يتم تهميشهم وظلمهم ونهب حقوقهم حتى يصابون بأكثر من علة من أمراض الضغط والسكري وأحيانا يصلون إلى الجنون، والمحظوظ فيهم يقتطع أول تذكرة سفر نحو اي ارض ويغادر غير آسف على ما تركه خلفه بل يأسف لضياع حياته بين بشر لا يقدرون مواهبه ولا يفهمون أفكاره، والغريب حين يموت أمثال هؤلاء الناس تجد المديح والبكاء عليهم والاعتراف بما أنجزوا، الأغرب من كل هذا انك تجد من ظلمهم وهمشهم يظهر أمام الكاميرات بوجه حزين ودموع في المآقي يتحدث عن مناقب الراحل ومآثره.
شخصيات وطنية وكتاب ومثقفين وفنانين قدموا الكثير لهذه البلاد لا يٌلتفت إليهم، بل يتم السطو على حقوقهم أمام أعينهم ولا يستطيعون فعل شيء، ماتوا وكلهم حسرة في القلب وفي جنازتهم يتقدم من كانوا سببا في معاناتهم بل وموتهم “بالقنطة” ليتحدثوا عن أفضال صاحب القبر وما قدمه طيلة حياته للبلاد والعباد، وهنا يصدق مثلنا الشعبي عن أولئك الذين يعيشون على الهامش يحترقون بصمت “يشتاقون” لتمرة ولا أحد يواسيهم في المحن او يعطيهم حق جهدهم، وحين يغادرون هذه الحياة تذبح في جنازتهم الذبائح لإطعام المساكين ويعلق على قبورهم عراجين من تمر، وتسقى قبورهم بالماء البارد الزلال، رغم أن من مات لا يصله لا تمر و لا لحم ولا ماء، فالتمر على القبر يلتهمه النمل كما تلتهم الديدان اشلاء الموتى، واللحم تأكله الضباع البشرية التي تسببت في موت أصحاب “النية الصافية والصادقة” والماء الذي يسقى به القبر يجعل من التراب طينا ولن يروي عطش ميت.