غرفة الكاتب

سليم براح

وقف أمام كتبه المكدسة يقلب البصر ،يمد يده ويسحبها ،أستقر رأيه آخر المطاف على كتاب لألبير كامو- الغريب – تذكر ماقاله طه حسين في احدى حواراته المتلفزة، كامو لا يعرف ما يكتب مستثنيا هذه الرواية، ومع أن أحكام طه ليست صائبة دائما فأحيانا يشطح شطحات تتعب العقل ،كتابة مع المتنبي يعد نموذجا حقيقيا لغرائب الفكر الحسيني ،الا أنه أومأ برأسه موافقا ،المقصلة واحدة من الروايات التي حين تقع بين يدي القارئ يدرك أن صاحبها عبث بعقله وأنه صال وجال ولم يقل شيئا

دارت هذه الافكار في رأسه ،بينما كانت زوجته تتزين للخروج، فقد وعدها بأن يصطحبها مساء بمعيه ابنتهما الصغيرة لحديقة الالعاب المتواجدة بطريق قسنطينة.
حين خرجت زوجته التفت اليها مشدوها معجبا بهيئتها التي ذكرته بأيام الزواج الاولى ، كانت حينها مهتمة بوضع أحمر الشفاه والكحل في العينين واللباس الضيق الشفاف حين يخلوان معا ،لكنها تخلت تماما حين أحست بأن اهتمامه برولان بارت و تزفيطان وجاكبسون وجيرار جينيت وتوماس اليوت اليوت و عزرا باوند والمتنبي وطه والعقاد وغير هؤلاء، وأنه لم يعد يلتفت لشكلها ويكاد يتخلى عن دوره الذكوري فالمرأة حتى. وان كانت نسوية التفكير الا أنها لن ترضى بزوج يكون أنثى ،تظل
دائما في حاجة لذكر يدغدغ المشاعر.

قالت له مرة وكانا أمام موقد النار يتبادلان أطراف الحديث ،يناقشان معا قصة بائعة الكبريت للسيد أندرسون
ايه يا زوجي الحبيب
ها قد رزقنا الله بطفلة كأنها البدر حين التمام واني لأرجو أن يتفضل علينا بطفل يكون سندا لأخته .
ضمها إلى صدره وحاول أن يعتصرها فمنذ أسابيع لم يقترب منها فقد كانت مريضة وكان من اللازم أن ينتظر بالإضافة لانشغاله بقراءةكتابات السيد غرامشي المفكر الايطالي الذي علمه معنى الالتزام السياسي وكيف يكون مثقفا عضويا، ولطالما تساءل في سره عن كيفية التوفيق بين استكمال ثقافته وحياته الزوجية ودوره كأب، لأبنته ألف حق عليه، تذكر ساتر الوجودي وقهقه بصوت عال معلقا أفلح ان صدق ،أنتبهت الى أنه يحدث نفسه وصاحت مذعورة
مابالك يا عبد السلام ..؟
قهقه مرةأخرى
لا شيء البته ،كل ما في الأمر أني تذكرت جان بول فقد قال فيما معناه من لا يستطيع أن يكون أبا عليه أن لا يتزوج علقت زوجته
أوافقه الرأي هذا الوجودي أحببته
أستوضحها قائلا
تحبينه أم تحبين أفكاره
ردت ضاحكة
انه الانزياح ياحبيبي
كلمة نخرج بها عن سياقها لنعطي جمالية للغة
وضح قائلا
لكنه لم يتزوج أتخذ من سيمون عشيقة وأنجب خمسة أولاد ألقى بهم جميعا في ملجأ الأيتام .
اعترضت مدافعة
ليس من الضروري أن يكون الإمام معتدلا في سلوكه يكفي أن يكون صادقا في أقواله .
لكن الأنبياء لا يقولون الا الحق ويفعلون ما يأمرون به الناس
لم تصمت قالت معقبة
سارتر ليس نبيا انه رجل فكر ورجال الفكر لا بد لهم من تجارب خاطئة وإلا كيف يتأتى لهم الحديث عن اللذة ان لم يجربوا الألم، فاقد الشيء لا يستطيع أن يعطيك إياه
أعاد ألبير كامو إلى مكانه ، وقال مخاطبا إياها
ماالكتاب الذي أصطحبه معي؟..
المعطف
فاجأه الجواب
نظر ناحية معطفه
تمزحين بالتأكيد
كلا،جادة في قولي
لكننا في الصيف
قالت باسمة
هل تتذكر حديثك عن السيد نيكولاي؟..
ا
تقصدين المعطف
المعطف
اااا
المعطف
وتذكر ابنته سلمى
وتساءل قلقا
أين سلمى …؟
وانتبهت زوجته جميلة التي تعرف عليها في أحد الملتقيات الشعرية ،كانت اسما على مسمى منسدلة الشعر بارزة الصدر وما إن تزوجها حتى وضعت قطعة القماش فوق رأسها لكنها ظلت متخذة من البنطال رمزا ،صرخت بأعلى صوتها سلمى…سلمى..سلمى
وأطلت طفلتهما والدموع على خديها حزينة بائسة ،انحنى عليها حانيا ضاما ومقبلا والحيرة مرتسمة على ملامح وجهه ونظر ناحية أمها فوجدها كأن الطير على كفيها لا تحير جوابا ، سألها مذعورا
خيرا يابنيتي ؟ ..
خيرا ما يبكيك يا قلبي الصغير ؟..
شهقت الطفلة ودفعت إليه رواية البؤساء ،وضعها جانبا،ومد أنامله يمسح دمعا ساخنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى