تونس: دعوات للحوار لاحتواء الأزمة السياسية

تعيش تونس على وقع أزمة سياسية على خلفية التعديل الوزاري في حكومة هشام المشيشي ورفض الرئيس، قيس سعيد، السماح للوزراء الجدد أداء اليمين الدستورية رغم حصولهم على ثقة البرلمان، ما أثار ردود فعل الاحزاب بين مؤيدة للحكومة وأخرى معارضة لها، وسط دعوات للحوار لاحتواء الأزمة.

ويأتي رفض الرئيس قيس سعيد السماح لبعض الوزراء المقترحين أداء اليمين الدستورية، لاعتبارات تتعلق ب “شبهات فساد وتضارب المصالح”، حيث وجه في السياق، كتابا “يتعلّق بالجوانب القانونية للتحوير الوزاري، وخاصة بتجاهل بعض أحكام الدستور”، لرئيس الحكومة المشيشي، بحسب وكالة الانباء التونسية (وات).

من جهته، أعاد رئيس الحكومة المشيشي التأكيد خلال اجتماع استشاري عقده في وقت سابق ، مع خبراء القانون الدستوري،على أن التعديل الوزاري الذي أدخله على حكومته في يناير الفارط تم وفقا لما يخوّله له الدستور من صلاحيات، وأن غياب المحكمة الدستورية، ساهم في بروز هذه الأزمة.

ودعا إلى الاسراع في تشكيل المحكمة الدستورية الكفيلة بتجاوز مثل هذه الاختلافات، علما أن مسار تشكيل هذه المحكمة الذي نص عليه دستور البلاد تعثر منذ 2014، لفشل الأحزاب السياسية في التوافق على أعضاءها بسبب تباين الحسابات والأجندات المرتبطة بهذه المحكمة.

ولم يتحفظ الرئيس سعيد فقط على بعض الوزراء المقترحين ، وإنما أصبح يطالب باستقالة المشيشي من منصبه لبدء حوار وطني كان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، قد دعا إليه في بداية شهر ديسمبر الماضي”لإنقاذ تونس من أزمتها”، وإخراج البلاد من الوضع الذي تمر به حاليا، وهو الامر الذي أكده نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد ، الجمعة، في حديث نشرته صحيفة (الصباح) التونسية.

وأَضاف الطبوبي في ذات السياق قائلا “انطلاقا من قناعاتنا ودورنا في احداث التوازن بين مختلف الفرقاء، لا يمكن أن نطلب من طرف أن يستقيل..” لافتا الى أن “مخرجات الحوار الوطني ستكون مفتوحة على كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فان اتحاد الشغل لا يمكن له أن يطلب من أي كان أن يستقيل..هذا ليس دوره”.

وحمل في المقابل، ”الرؤساء الثلاثة (رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان) مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد، داعيا اياهم ” للعمل من أجل بعث رسائل إيجابية حول ترسيخ الاستقرار السياسي”.

بدوره، أكد رئيس الحكومة المشيشي، في تصريح إعلامي تمسكه بمنصبه واصفا “ربط رئيس الجمهورية، قيس سعيد، انطلاق الحوار الوطني بتقديم استقالته ،ب” كلام لا معنى له”. ويرى المشيشي” إن تونس في حاجة للاستقرار ولحكومة تستجيب لتطلعات الشعب، وأنه لن يتخلى عن مسؤوليته تجاه البلاد ومؤسساتها الديمقراطية واستحقاقات الشعب”.

وفي سياق متصل، أكدت قيادة حركة النهضة المؤيدة للحكومة الحالية، مواصلة دعمها للمشيشي في ظل خلافه مع الرئيس قيس سعيد، داعية إلى توفير ظروف التهدئة حتى تحقق الأولويات التي يطالب بها التونسيون.

أما المعارضة فقد وجهت انتقادات حادة لحكومة المشيشي، معتبرةً أنها “معزولة” عن واقع التونسيين ما جعلها أقرب إلى أن تكون “حكومة تصريف أعمال”.

وقال القيادي في حزب “التيار الديمقراطي” محمد العربي الجلاصي، أن حكومة المشيشي ” تعيش قطيعة تامة مع بقية مؤسسات الدولة وأهمها رئاسة الجمهورية، من خلال ما تلقاه من دعم سياسي وبرلماني بلغ حد “الاستقواء” بحزب أو حزبين سياسيين، ولكن هذا الدعم “لن يتواصل إلى ما لا نهاية ورحيلها أمر واقع واستقالتها مسألة وقت لا غير”.

وانتقد القيادي المعارض بشدة طريقة عمل حكومة المشيشي وتعاملها مع الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال يناير الماضي.

دعوة الى الحوار لترتيب البيت الداخلي

وعلى وقع “أزمة أداء اليمين الدستورية ” التي ظلت تراوح مكانها منذ أكثر من شهر، شدد متابعون للشأن العام التونسي، على أن الحل يجب أن يكون “تونسيا صرفا”، داعين الرئاسات الثلاث ( رئاسة الجمهورية ، ورئيسي البرلمان والحكومة) إلى “ترتيب البيت الداخلي” للخروج من الافق المسدود لاسيما في ظل الوضع اقتصادي والاجتماعي والصحي الصعب وتحدياته الكبيرة، وفي غياب محكمة دستورية تفصل في هذا الخلاف السياسي.

وحذروا من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية وخيمة لهذه الأزمة التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة، مؤكدين على ضرورة الحوار للحيلولة دون الوصول الى ” انسداد سياسي” .

وبهذا الشأن، صرح المحلل السياسي جلال الأخضر في حديثه لـ”سبوتنيك”،أن “رفض الرئيس التونسي قبول أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية وضع الحكومة أمام خيار دستوري صعب، وهو إعطاء الإذن لفريقه الوزاري الجديد بمباشرة مهامهم دون أداء القسم أمام رئيس الدولة”.

وشدد على أن “هذا الخيار يطرح إشكالا قانونيا، وهو أن كل الاجراءات التي سيتخذها هؤلاء الوزراء ستكون محل متابعة أمام المحكمة الإدارية ولا يمكن اعتبارها سارية المفعول”.

وتابع أن “القراءة الدستورية الثانية تقر باستحالة مرور الوزراء إلى مباشرة مهامهم دون أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، رغم نيلهم ثقة أغلبية البرلمان”.

كما أوضح إن المخرج من هذه الأزمة يكمن في التنازل، عن طريق الأخذ برأي الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي اقترح أن يتخلى الوزراء الأربعة الذين تعلقت بهم شبهات فساد وتضارب مصالح عن تسميتهم من تلقاء أنفسهم، وأن يتم تعويضهم بوزراء آخرين يتم عرضهم على البرلمان ثم يؤدون القسم أمام رئيس الجمهورية مع الوزراء السبعة ومن ثمة يباشرون مهامهم”.

أستاذة القانون الدستوري منى كريم، في حديثها، اعتبرت أن الحل الأنجع يتمثل في الحوار”. وشددت كريم على أن “الأزمة ليست قانونية وإنما هي بالأساس أزمة سياسية، يمتلك حلها أحد الطرفين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى